من بريدي ...
[align=justify]عند المقارنة بين الأرض وتابعها بل وليدها القمر , وبالمناسبة يعتقد أن القمر كان جزءا من الأرض وأن موضعه هو أحد المحيطات حيث ملأت الفجوة التي تركها بالمياه , تتملكك الدهشة حقا ما ان ترى صورة للأرض أخذت من فوق القمر عندما تدرك أن منظر الأرض أجمل بكثير من منظر اليدر المكتمل, ولقد تعودنا أن نسمع في الشعر عربيه وأعجميه وفصيحه وعاميه تشبيها للمحبوبة بالقمر (وهو في حالة البدر طبعا) ولكن هل يمكن أن توصف المحبوبة أو تشبه بالأرض !! , وقد بدت الأرض للرائين أجمل بكثير من القمر عندما جمعتهما صورة التقطت من على احدى المركبات الفضائية , وربما بعد هذا لا يعود لكتاب (حديث القمر) لمصطفى الرافعي ذات الأثر في نفس القاريء الحالم فالقمر ربما لايتحلى بصفات الجليس والمتحدث الذي يتمناه الجميع.
نحن لانرى الا وجها واحدا فقط للقمر لأنه يتم دورته حول محوره خلال شهر أي أن دورته حول محوره (وهي عرفا يومه) توازي دورته حول الأرض (الشهر الأرضي) ويحتاج الأمر لخيال ابداعي للوصول الى هذه النتيجة من خلال تصور دورتي القمر ولكن على كل حال هو حتما أمر مخيب للآمال اذا عرفنا أن قمرنا يرينا وجها واحدا له ويخفي الآخر والذي بدا كما صورته المركبة الفضائية (لونا) أكثر وعورة. ومناخ القمر شديد التطرف اذ تبلغ درجة حرارته في النهار 150 درجة فوق الصفر وفي الليل تنزل الى 150 تحت الصفر ذلك أن القمر ليس لديه غلاف جوي يحفظ الحرارة ويؤمن التوازن المطلوب , واعتقد أن هذا امر آخر لايحبذه المرء كصفة في جليسه ومحدثه وهو التذبذب. وأخيرا فلو وصف القمر بالبخل مقارنة بالأرض فلن يكون هذا تحيزا اذ أنه يعكس 3 بالمئة فقط من الضوء الساقط عليه أما الأرض فتعكس ضوء الشمس أشد من ذلك بعشر مرات , وهذا هو السر في كونها أجمل منه بكثير مع اختلاط الألوان المتناسق حيث زرقة المحيطات والرقعة النباتية الخضراء والتي توشح اليابسة الذهبية اللون مع لون البياض الناصع للطاقيتين القطبيتين اللتين تعتمرهما الأرض.
اننا لم نعي هذه النتيجة الا عندما تمت المقارنة بين الكوكبين وقبل ذلك كنا لانجادل ابدا في أن لاشيء يوازي في الجمال رؤية القمر بدرا ولم نعرف أن الكوكب الذي نعيش في كنفه هو الأجمل والأفضل بلا منازع. وههنا وقفة تأملية اذ يفعل البعض ذات الشيء مع نفسه حيث تبرز مشكلة تدني تقدير الذات عند البعض , فتراهم يتهمون أنفسهم بعدم القدرة على اداء أي عمل بشكل ابداعي أو حتى بأنهم لايستطيعون مواجهة الصعاب في حياتهم بينما يرون في الآخرين أكثر حكمة و مهارة. أي أنهم يفتقدون الثقة بالنفس أو احترام الذات وتقبلها كما هي , فتجدهم يحاولون اقناع أنفسهم أنهم أقل قدرا او ذكاء من غيرهم أو يجدون رهبة دائمة من مواجهة التحديات في العمل أو في التعلم مهما كانت بسيطة وقد يكبتون مهارات فائقة في أنفسهم بسبب هذه المشاعر. لاشك أن الجميع يجد شيئا من هذا الشعور الكابت والعبارات التي كنا نسمعها أنفسنا اثناء تعلم سياقة السيارة أو السباحة مثال على ذلك. ان مطالبة علماء النفس والاجتماع والمنظرين الاداريين لمستمعيهم في محاضراتهم بارضاء الذات اولا قبل الاهتمام بارضاء الآخرين ليس مطالبة باتخاذ الأنانية طبعا بل هو شيء منطقي وكثير منا يهمل هذا الجانب المهم فبعض الأمهات مثلا تتخلى عن هواية تبدع فيها ولا تتعارض مع اي مطلب شرعي من أجل الاهتمام بالعائلة والأسرة لتجد بعد سنوات أنها تعاني من تدني تقدير الذات.
يقر أحد علماء الاجتماع حقيقة أنه ليس هناك طريقة بعينها لرفع مستوى تقدير الذات واحترامها عند الناس وانما هو شعور يجب أن نخلقه في أنفسنا. وهناك العديد من الدراسات – الغربية- حاولت تسليط الضوء على اسباب هذه الظاهرة وعلى سبيل المثال يقول عالم النفس روبرت اركين أن الناس الماديين اي الذين يقيسون مدى نجاحهم في الحياة بمقدار مايملكون هم أكثر الناس معاناة من تدني التقدير الذاتي. والبعض يرجع السبب الى طريقة التربية حيث يتم نقد الطفل او اطرائه من قبل الابوين بصورة تشير الى شخصه هو وليس الى ممارساته الخاطئة او الجيدة فمثلا اذا سب الطفل اخته نصفه ببذاءة اللسان وبالتسلط مع أن المفترض هو التركيز في النقد على السلوك فنخبر الطفل أنه اخطأ في سب أخته بتلك الطريقة وبأن كثرة السباب ليس خلقا حميدا , وفي رأي خبراء علم النفس أنه من الأفضل ان نستبدل عبارات من مثل (أنت ولد سيء , افعل ما اقول لك , كف عن النواح فورا, افعل مثل أخيك) بعبارات من مثل (مافعلته اليوم كان سيئا , اسمعني الآن وسوف نتكلم عن السبب لاحقا, أعرف أنك متضايق ولكن اهدأ لاستطيع مساعدتك , انها مشكلة ولكن ماهو رأيك أنت؟). وتتعدد أسباب تدني تقدير الذات وتتعدد النظريات حولها فالكبت العاطفي والانعزالية وعدم وجود صداقات نرتاح اليها والنقص في مهارة التعلم الذاتي والخوف الدائم من الفشل هي كلها اسباب منطقية ولكن يبقى الأمر فعلا شعور يجب أن نخلص أنفسنا منه ونبني الثقة في أنفسنا ذاتيا. اذا فلنكف عن النظر الى الآخرين ولنبحث عن مكامن الابداع في انفسنا ولنغير من نظرتنا الى ذاتنا ونقتنع بأننا نستحق الاهتمام وان لم نحصل عليه بشكل كاف من الآخرين وكل ميسر لما خلق له والأرض أجمل بكثير من القمر كما رأينا.[/align]